س: جاء في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قوله: "المرأة شر كلها، وشر ما فيها أنه لا بد منها" فما تفسيركم لهذا القول؟ وهل هذا يمثل موقف الإسلام من المرأة. أرجو الإيضاح والبيان وشكرا.
ج : هناك حقيقتان يجب أن نقررهما بوضوح وجلاء.
الأولى: أن الذي يمثل رأي الإسلام في قضية ما، إنما هو قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل أحد بعد ذلك يؤخذ كلامه ويترك، فالقرآن الكريم وصحيح السنة النبوية هما وحدهما المصدران المعصومان، وإنما يأتي الخلل من سوء الفهم لهما أو لأحدهما.
الثانية: أن من المعروف لدى النقاد والمحققين أن نسبة بعض ما في "نهج البلاغة" إلى علي رضي الله عنه، وكرم الله وجهه، غير صحيحة، ولهم على ذلك دلائل وبراهين. ولا شك أن في "النهج" خطبا وأقوالا يلمس الناقد بل القارئ الواعي، أنها لا تمثل عصر الإمام لا في أفكارها، ولا في أسلوبها.
ومن هنا لا يجوز الاحتجاج بكل ما في "النهج" على اعتبار أنه من أقواله رضي الله عنه.
على أن المقرر في العلوم الإسلامية أن نسبة الأقوال إلى قائليها، لا تتحقق إلا بالإسناد الصحيح المتصل، الخالي من الشذوذ والعلة، فليت شعري، أين السند المتصل إلى الإمام علي، حتى نحكم على أساسه أنه قال هذا القول؟.
بل لو نقل هذا القول عن علي بسند صحيح متصل، من رواة عدول ضابطين لوجب أن يرد، لما فيه من مخالفة للأصول والنصوص الإسلامية، وهذه علة قادحة توجب رد أي قول، ولو كان إسناده كالشمس.
وكيف يقول علي بن أبي طالب هذا القول، وهو يقرأ كتاب الله الذي يقرر مساواة المرأة للرجل في أصل الخلق، وفي التكاليف، وفي الجزاء: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منها رجالا كثيرا ونساء) سورة النساء:1، (إن المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، والقانتين والقانتات، والصادقين الصادقات، والصابرين والصابرات، والخاشعين والخاشعات، والمتصدقين والمتصدقات، والصائمين والصائمات، والحافظين فروجهم والحافظات، والذاكرين الله كثيرا والذاكرات، أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) سورة الأحزاب:35. (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) سورة آل عمران:195. ويقول في شأن الزوجات: (هن لباس لكم، وأنتم لباس لهن) سورة البقرة:187. ويقول: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) سورة الروم:21. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال". ويقول: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة" ويقول: "من سعادة ابن آدم ثلاثة: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح".
ويقول: "من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الباقي".
ويقول: "أربع من أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة" ويذكر منها "زوجة صالحة لا تبغيه حوبا في نفسها وماله".
ويقول عن نفسه: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة".
فكيف يخالف علي رضي الله عنه هذا كله وغيره، ويطلق القول: إن المرأة شر كلها؟!.
ونستطيع -لو صح هذا القول عن علي- أن نسأله: ما قولك في زوجك، وأم ولديك السبطين الحسن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة، أعني فاطمة سيدة النساء رضي الله عنها؟ هل يقبل الإمام علي أو يقبل المسلمون منه أن يقول عنها: أنها شر كلها؟!.
إن فطرة المرأة ليست مخالفة لفطرة الرجل، فكلتاهما تقبل الخير والشر، والهدى والضلال، كما قال تعالى: (ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها) سورة الشمس:7-10.
وكيف يتصور أن تكون المرأة شرا كلها، ومع هذا لا يكون منها بد؟ كيف يخلق الله شرا مطلقا، ثم يسوق الناس إليه سوقا بسوط الحاجة والضرورة؟
بل المتأمل في الكون كله يجد أن الخير فيه هو الأصل والقاعدة، وما يتراءى لنا من شر فهو جزئي ونسبي، ومغمور في الخير الكلي العام المطلق، وهو في الواقع لازم من لوازم الخير، ولهذا كان من مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم لربه: "والشر ليس إليك" وفي القرآن الكريم: (بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) سورة آل عمران:26.
بقي هنا سؤال عن نقطة ورد بها الحديث، وهي التحذير من فتنة النساء مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".
وأقول: إن التحذير من الافتتان بشيء، لا يعني أنه شر كله، وإنما يعني أن لهذا الشيء تأثيرا قويا على الإنسان يخشى أن يشغله عن الله والآخرة.
ومن هنا حذر الله من الفتنة بالأموال والأولاد في أكثر من آية في كتاب الله، ومن ذلك قوله تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة، والله عنده أجر عظيم) سورة التغابن:15. (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله. ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) سورة المنافقون:9.
وهذا مع تسميته سبحانه المال "خيرا" في عدة آيات من القرآن، ومع اعتباره الأولاد نعمة يهبها الله لمن يشاء من عباده: (يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور) الشورى:49. وامتنانه على عباده بأن منحهم الأولاد والأحفاد، كما رزقهم من الطيبات: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات) النحل:72.
فالتحذير من فتنة النساء كالتحذير من فتنة الأموال والأولاد، لا يعني أن هذه النعم شر، وشر كلها! بل يحذر من شدة التعلق بها إلى حد الافتتان، والانشغال عن ذكر الله.
ولا ينكر أحد أن أكثر الرجال يضعفون أمام سحر المرأة وجاذبيتها وفتنتها، وخصوصا إذا قصدت إلى الإثارة والإغراء، فإن كيدها أعظم من كيد الرجل.
ومن ثم لزم تنبيه الرجال إلى هذا الخطر، حتى لا يندفعوا وراء غرائزهم، ودوافعهم الجنسية العاتية.
وفي عصرنا نجد أن فتنة المرأة بلغت حدا فاق كل العصور السابقة، وخيالات أهلها، وأصبح الهدامون يتخذون منها معولا لهدم الفضائل والقيم المتوارثة، باسم التطور والتقدم.
والواجب على المرأة المسلمة أن تنتبه لهذه المؤامرات، وأن تربأ نفسها أن تتخذ أداة هدم في أيدي القوى المعادية للإسلام، وأن تعود إلى ما كانت عليه نساء الأمة في خير قرونها: البنت المهذبة، والزوجة الصالحة والأم الفاضلة، والإنسانة الخيرة العاملة لخير دينها وأمتها، وبذلك تفوز بالحسنيين، وتسعد في الدارين.