دخل " عم رضا " حارته " عرق البلح " وهو يركب سيارته الأجرة الجديدة و الابتسامة تملئ وجهه ، فقد استطاع أخيرا ً أن يجد له أحد أصدقائه سيارته مستعملة نصف عمر بثمن أقل بكثير من السيارة الجديدة .
وأخذ يتابع بعينيه نظرات أهل الحارة هل هي نظرات حيرة أم فرح أم دهشة أم حسد ؟ ولكنه أبعد فكرة أن يحسده أحد من أهل الحارة فهم قوم طيبون ولكنه نفذ أوامر زوجته " أم محمد " بأن يعلق علي مرآة السيارة خرذة زرقاء كبيرة ليمنع الحسد عنهم جميعا ً ، ثم بدأ يستعد للوقوف في وسط الشارع حتى يري من سوف يبدأ بتحيته ويبارك له علي سيارته الجديدة ، وعلي الجانب الآخر كانت زوجته " أم محمد " تنتظره بشوق ولهفة ممزوجة بالخوف والرهبة من عدم قضاء الحاجة التي خرج من أجلها ، فهي تعلم أنه قد تم الاستغناء عن خدماته في مقر عمله في المصنع الذي كان يعمل به لمدة سبعة عشرعاما ً ، ونتيجة لبيع المصنع لأحدي القطاعات الخاصة فقد تم تحويلها إلي برج سكني عالي تم بناءه علي أنقاض المصنع القديم وقد عوضته الشركة عن هذه الخدمة بسبعة آلاف جنية فقط ، وفكر " عم رضا " ماذا يفعل بهذه الأموال التي هي عوض عن سنين تعبه وعمله المتواصل في المصنع وهي أموال ليست بالكثير الكافي لسد احتياجات الأسرة ، وخاصة أنه قد رزق بولده " محمد " منذ سبع سنوات بعد أن انفق أموال كثيرة من أجل البحث عن الإنجاب وأن يرزقه الله بطفل يكون له العون والسند في رحلة العمر الطويل ويكون لأمه قرة عين وفي الحقيقة لم يكن هناك مانع من الإنجاب كما أكد الأطباء ولكنها إرادة الله التي تفوق كل شئ . وسهر الليالي يتشاور مع زوجته " أم محمد " عن فكرة عمل مشروع مثمر يستطع من خلاله الإنفاق علي ابنه الوحيد ويضمن له مصدر دخل يساعده علي المعيشة ونفقاتها الصعبة الشاقة .
وأخيرا ًهداه تفكيره أن يشتري سيارة أجرة يعمل عليها وخاصة أن القيادة هي المهنة الوحيدة التي يجيدها ولكن .... الأموال التي أخذها من المصنع لا تكفي لشراء السيارة التي سوف يعمل عليها .. فاقترحت عليه " أم محمد " أن تبيع مصاغها كي تساعده علي شراء هذه السيارة .. وفي البداية رفض " عم رضا " أن تبيع مصاغها لأنه كان شبكتها التي أهداها إليها عند زواجهما وبرغم حالات الضيق التي كانت تصيبهم أحيانا ً ألا أنهم لم يفكرا في بيع هذا المصاغ أبدا ً إلا عندما تخاصمهما الدنيا وتعطيهما ظهرها غضبا أو عندما تمر بهما ضائقة في أحد الأيام بل في أصعب الأيام وها قد جاءت أصعب الأيام .
وبالفعل اضطر " عم رضا " في نهاية الأمر أن يوافق زوجته " أم محمد " علي رأيها ، وأخذ المصاغ منها وذهب به إلي الصائغ الذي قدر ثمنه بخمسه الآف جنيه ، وقد طلب من أحد أصدقائه أن يبحث له عن سيارة أجرة يستعملها " كتاكسي " وبالفعل وجد له صديقه ما كان يبحث عنه ، وذهب ومعه الأموال لشراء السيارة قبل أن يسبقه أحد إلي شرائها .
كل هذا تذكرته " أم محمد " وهي تنتظر زوجها وهو قادم إليها ومعه السيارة وكم دعت الله أن ينجح في هذه المهمة لكي يضمن لأبنه حياة حرة كريمة .
ولكن استحوذت عليها بعض الأفكار السوداء وذلك لأنه تأخر في العودة من هذه الرحلة القصيرة رحلة البحث عن لقمة العيش رحلة تأمين ضد أخطار الحياة تلك الرحلة التى ذهب إليها ولم يعد بعد ولأنه وعد أن يعود منها بالسيارة الجديدة أو ليعود للبحث مرة أخري عن السيارة المناسبة للأموال التي لديه . وسرحت " أم محمد " في هذه الأفكار ، فقد تكون الأموال وقعت منه وهذا سبب التأخير أو قد تكون سرقت منه أو أنه لم يوفق في شراء السيارة أو ...أو ..... " ولكنها أسرعت لتطرد هذه الأفكار السيئة داعية الله أن يبعد هذه الأفكار عنها ويريح قلبها علي زوجها ورفيق حياتها واستعاذت بالله من الشيطان الرجيم . وقبل أن تعود إليها هذه الأفكار مرة أخري إذ أنها تجد زوجها "رضا " يدخل إلي الحارة وهو يركب السيارة التي وعد أن تكون معه عند عودته من عند صديقه الذي عاهده أنه قد وجد طلبه الذي أراده وهو سيارة أجرة بثمن قليل لأنها مستعملة .