بعد أن سألت " أم محمد " عن أقرب طبيب وصلت إلي عيادته كما وصفها " أولاد الحلال " لها دخلت وهي فزعه علي أبنها واتجهت إلي الممرضة التي كانت تجلس في مواجهة باب العيادة فمجرد أن وقعت عيني " أم محمد " عليها حتى هتفت في سرعة ولهفة باسمها فقد كانت هذه الممرضة إنها " فاطمة " أجل " فاطمة " بنت خالتها واحتضنتها دون أن تشعر فقد عرفا بعضهما البعض صحيح أن السنوات باعدت بينهما إلا أن الملامح والعاطفة لم تتغير وأدخلت " محمد " إلي الطبيب وبعد علاجه من حاله التسمم التي أصابته نتيجة أكله لطعام فاسد ، فخرجت " أم محمد" وهي تشكر ربها علي نجاة أبنها وعلي أنها قد وجدت وليفتها في حياتها السابقة " فاطمة " كانت " فاطمة " تستعد للرحيل فقد كانت " أم محمد " هي أخر الزبائن ، خرجا سويا ً وكل واحدة تحكي قصتها بعد فراقهما وكأنهما يستعيدان ذكرياتهما فقد مات زوج " فاطمة " نتيجة حادث سيارة ، وأصبحت تعيش علي ذكراه وخاصة أنه ترك لها أبنتها " أبتسام " التي لم تبلغ من العمر الثلاث سنوات ، والتي تتركها أثناء العمل عند حماتها التي تجاورها في السكن إلي أن تعود من العمل وهكذا قصت كل واحدة منها بعضا ً من حياتها علي الأخرى وتواعدا علي لقاء آخر .
عادت " أم محمد " ودخلت إلي بيتها وقبل أن تشرع في دخول شقتها اتجهت إلي شقة جارتها الطيبة لتسألها عن سر الطعام الفاسد ، وإذ بها تجد هذه الجارة واقفة أمام باب شقتها وإلي جوارها " أم محروس " وأسرعت الجارة لتسأل عن صحة " محمد " وماذا أصابه وشاركتها اللهفة " أم محروس " لكن " أم محمد " نظرت إليهما ثم سكتت عن الكلام للحظات ثم أخبرتهما أنه مجرد برد في المعدة ويحتاج إلي بعض الأدوية وبعدها سيشفي إن شاء الله ثم ودعتهما ودخلت إلي شقتها .
في الحقيقة كل امرأة تستطيع ترتيب بيتها بطريقتها الخاصة فقد تضع أشياء ً هنا وهناك وقد ترمي أشياء هنا وهناك ولكنها تعرف كيف تخفيها وكيف تجدها وعند دخولها إلي الشقة تأكد لها أن هناك من عبث في محتويات البيت بحذر ودقة وبحث في كل مكان عن شئ هي تجهله ولكن من هذا الذي يعبث بشقتها وهي لا تملك شيئا ً ذا قيمة ؟ من الفاعل إذن ؟ فكرت قليلا ً بل وبدون التفكير الطويل عرفت أن " أم محروس " هي من فعلت ذلك لأنها دخلت إلي حجرتها واستنشقت العطر والذي كانت تشتهر به " أم محروس من بين جارتها وأهل الحارة جميعا ً لأنها زجاجة عطر مستورة من الخارج كانت هدية من أحد أقاربها وكانت " أم محروس " كلما جاءت إليها كانت تضع من هذا العطر فعرفت " أم محمد " من الجانى ومن الفاعل ، وهكذا كل مجرم لابد له من خطأ يقوم به كي يتم التعرف عليه و تم معرفة من الفاعل ولكن السؤال الآن عما كانت تبحث " أم محروس " ؟ وهل وجدت ما كانت تبحث عنه ؟ ومن أين جاءت بمفاتيح الشقة والأدراج وأبواب الدولاب ؟ وتذكرت الدولاب وأسرعت إليه فوجدت أن محتوياته قد بعثرت بطريقة واضحة وأن الكيس البلاستيك غير موضوع في المكان الذي تركته فيه وأمسكت به فوجدت الأوراق موجودة فيه دون أن تفتح الكيس لتعرف هل هي الأوراق أم أنها غيرت ؟ سكتت " أم محمد " وعادت تسأل نفسها أسئلة كثيرة خطرت علي بالها ولكنها لم تجد أية إجابة لديها سوى أن الحقد والكراهية التي تحملها " أم محروس " إليها هي السبب فيما هي فيه الآن وفيما هي تفعله ودعت لها أن يهديها الله ويبعد عن الحسد والحقد .
وبعد مرور أسبوع علي هذا الحادث أصبح " محمد " لا يفارق أمه أبداً فأينما تذهب يكون معها وأصبحت لا تأتمن لأحد في الحارة إلا " لعم منصور " فلقد اتفقت معه علي بيع التاكسي كما طلب وأودعت الأموال في أحد البنوك كما أفهمها " عم منصور " ولكنها طلبت منه ألا يخبر أحدا ً بأمر هذا البيع وما تم بينهما ألا بعد رحيلها من الحارة بعدة أيام . وفي اليوم التاسع خرجت " أم محمد " وهي تحمل حقيبة ملابسها وتضعها علي التاكسي ويقف إلي جوارها ابن أخت " عم منصور " يستعد لتوصيلها إلي خارج الحارة ، وكالعادة هرعت " أم محروس " إليها لتسألها أين هي ذاهبة ؟ فأخبرتها " أم محمد " أنها متجهة إلي أقارب زوجها في محافظة المنيا لأن " عم رضا" له قطعة أرض هناك سوف تبيعها وتعيش هي وأبنها بهذه الأموال إلي أن يقضي الله أمرا ً كان مفعولا .
ودعتها " أم محروس " وداعا ً حارا ً ودعت لها بالعودة سالمة إن شاء الله بعد بيع الأرض والحصول علي الأموال .