جرت دمعة ساخنة من عين " أم محمد " وهي تجلس في المأتم الذي أعده " عم منصور" البقال علي نفقته الخاصة فهو يعلم أن " أم محمد " امرأة مسكينة لا تملك إلا طعام يومها فقط ولا تعرف ماذا يخبئ لها القدر في الغد ؟ فها هو شريك حياتها ورفيقها في الدنيا وأنيس وحدتها قد رحل وتركها دون سابق إنذار ولكنها إرادة الله فوق كل شئ ، والحمد الله علي نعمه وقدره بحلاوته ومرارته .
أقام " عم منصور " هذا المأتم والدموع تسبق الكلمات اتى تقال في هذه المناسبة فالحقيقة أن " عم رضا " لم يكن جارا ً له فقط بل أنه أخ بل فاق مشاعر الأخوة أنه حقا ً رفيق الدرب أنه نعم الصديق انه عم " رضا " الذي شاركه طفولته وشبابه وجيرته التي لا تقدر بمال طوال ثلاثة وخمسين عاما ً ، وخاصة وأن " عم رضا " كان من أصدقائه المقربين إلي قلبه ، وعلي الرغم من بساطة هذا المأتم إلا أن الرجل لم يبخل عليه بشئ وهكذا تكون جيرة أبناء البلد .
ولم تشعر "أم محمد " بتلك الدمعة إلا وهي تسقط من علي خدها إلي حجرها النائم عليه وحيدها " محمد " فأسرعت ومسحت الدمعة التي سقطت علي جبهته وحتى لا يشعر بسخونتها وما تحمله من الآم وأوجاع علي وداع رفيقها في الحياة . فجرت دمعة أخري بدون أن تشعر من عينها فأحست أن هناك نارا ً تكويها وعذاب يحرقها ألف مرة .ونظرت " أم محمد " إلي النسوة اللاتي أتين من أجل تعزيتها والوقوف بجانبها ومواستها فيما هي فيه . فهناك من تنظر إليها نظرة الشفقة ، وهناك من تهز رأسها لها بأيمائة بسيطة علامة علي مشاركتها في الأسى والحزن التى تشعر به وهناك من تنظر إليها نظرة غريبة لا يمكن تفسيرها كانت صاحبة هذه النظرة هي " أم محروس " جارتها اللدود والتي جاءت مواساة إليها ، ولكن عينيها كانت تنظر في اتجاه أخر غير " أم محمد " كانت تنظر إلي المنديل المصنوع من القماش والذي تمسكه " أم محمد " بكلتا يديها فقد ظهر منه في احدي المرات أن فيه كيسا ً شفافا ً مصنوعا ً من البلاستيك وعلى ما يبدو أنه يحمل شيئا ً هاما ً وأوراق ذات أهمية خاصة مما جعل " أم محمد " تحتفظ به أثناء عزاء زوجها ولا تريد تركه وكذلك تخبأها في منديل من القماش حتى لا يراه أحد ، ولكن أين المفر من عين الحاسد والحاقد علي " أم محمد "؟ فقد أدركت " أم محروس " أن هناك سراً خطيراً في هذا الكيس فعزمت الأمر علي معرفة سر هذا الكيس البلاستيك وما فيه ؟
لاحظت " أم محمد " أن " أم محروس " لا تريد إبعاد نظرها عن يداها التي تدفن فيهما المنديل وما فيه من أسرار ، فإذ بها تمسك طرف طرحتها بيدها وكأنها تمسح الدمعة التي سوف تسقط منها ثم أخفت المنديل وراء الطرحة بعد أن أسقطتها من علي خديها مما جعل " أم محروس " تلاحظ أن أمرها كاد أن يكشف وأن تلك الأفكار التي تديرها وتدبرها لمعرفة سر هذا الكيس وما يحويه المنديل ولكن يبدو أن أمرها كاد أن يكشف وانه قاب قوسين أو أدنى من معرفة ما تخفيه نفسها الامارة بالسوء التى لا تنهاها أبدا ً عن فعل اى شئ حتى وإن كان السرقة أو ..... القتل ؟ المهم لديها تحقيق رغباتها .. والممنوع مرغوب والباطل حق والحق باطل فالكل سواء والنهاية واحدة وحتى لا يكشف أمرها