ثم اتجهت إلي أبنها " محمد " الذي كان يقف بجوارها في هذه اللحظة وكأنها تطمأن ابنها علي عودة أبيه فرفعته إلي أعلي سور الشباك المواجهة للحارة وهي تخبره أن والده قد عاد ومعه السيارة . وتذكرت فجأة جارتها " أم محروس " التي تسكن في مواجهة شقتها ، والتي كانت علي خلاف معها منذ عدة أسابيع وذلك لأن " أم محروس " طلبت منها العباءة السوداء كي تحضر بها أحد المآتم المجاورة للحارة ، ولكن " أم محمد " رفضت إعطائها العباءة وفي الحقيقة ليس بخلا ً من " أم محمد " ولكن لأن هذه العباءة قد أصابها قطعا ًكبيرا ً فخافت أن تعطيها " لأم محروس " فتعيرها بذلك في يوم من الأيام وخاصة أن " أم محروس " دائما ًما تحكي أسرار جيرانها لبعضهم البعض . فماذا تفعل كي تغيظ " أم محروس " وخاصة أنها قد قذفتها ببعض الألفاظ السيئة والتي كان من بينها أنها اتهمتها عند جيرانها بالبخل والشح فأرادت أن تعرفها أن زوجها " رضا " قد أتي بالسيارة الجديدة لم تجد إلا أن تطلق زغرودة قوية أودعت فيها كل طاقتها المخزونة ، لتسمع " أم محروس " وكذلك جاراتها اللاتي لم يعلمن بعد بأمر هذه السيارة ، وكان ما أرادت بالفعل فقد خرجت " أم محروس " مسرعة لتري ماذا يحدث في الحارة ؟ وما سر هذه الزغرودة الآتية من شقة جارتها " أم محمد " ؟ وفتحت شباكها لتري " أم محمد " تقف في زهو وافتخار وتباهي وكأنها كسبت الجائزة الكبرى أو وجدت كنزا ً من كنوز ( علي بابا ) أو عثرت علي خاتم سليمان وأخذت تنظر بعينيها إلي السيارة بإعجاب وانبهار وتحدث أبنها " محمد " بصوت عالي وكأنها تكلمه وأرادت بذلك أن تسمع " أم محروس " هذا الحديث وتخبره أن والده استطاع شراء السيارة التي طلبها من أبيه منذ عدة أيام ، وأنه سوف يلبي له كل طلباته ، فنظرت إليها " أم محروس " نظرة الحقود علي الناس ، ثم ضربت أبنتها الصغرى التي تقف إلي جوارها ضربة قوبة علي كتفها طالبة ً منها أن تدخل وهي تنظر إلي " أم محمد " في سخرية واستهزاء وكأن الأمر لا يهمها ولا يعنيها . ولكن " أم محمد " لم تهتم بهذه النظرات لأنها تعلم مدي الحقد والحسد والكراهية الكامنة في قلب " أم محروس " وليس هذا بشهادتها هي وإنما بشهادة جميع الجيران فلقد تأكد إليها أن " أم محروس " قد اغتاظت منها بالفعل ، ولأنها كانت تنظر إليها نظرات الحقد والكراهية . وإذ بها تحتضن أبنها " محمد " وتغلق الشباك وتنزل إلي زوجها الواقف بين رجال الحارة الذين يباركون له علي سيارته الجديدة ، واستقبل " عم رضا " أم محمد" بالبشاشة والسرور طالبا ً منها أن تكون أول من يركب السيارة فاليوم سوف يجعلها تشاهد ( الأهرام وأبي الهول وقد يذهب بهما إلي حديقة الحيوان ) لأنها لم تشاهد هذه المناطق من قبل إلا في التليفزيون ورغبة منه في مكافأتها علي وقوفها بجانبه في وقت شدته . وأسرعت " أم محمد " إلي السيارة وأجلست " محمد" علي ركبتيها وجلس زوجها إلي كرسي عجلة القيادة استعدادا ً للرحلة المنشودة ، وقبل خروجهما من الحارة رفعت " أم محمد" رأسها إلي شباك جارتها " أم محروس " لتري هل تشاهدها وهي تركب السيارة أم لا ؟ وأحست بالنشوة حينما وجدت بالفعل " أم محروس " تتعقبها من الشباك بنظرات الحسرة والحقد . وبمجرد خروج السيارة من الشارع اندفع إليها أحد الرجال الذين يبدو عليهم الهيبة وأنه رجل ذو مكانه عالية وإلي جواره تقف سيارة فارهة الطول ومن بعيد بدأ يلوح بيده بلهفة وشغف شديد للسيارة التاكسي اتى يركبها " عم رضا " وكأنها قد جاءته نجدة من السماء فعلى ما يبدو أن سيارته تعطلت منه فجأة وهو ذاهب إلي عمل هام وإذ بالرجل يسرع بالوقوف أمام سيارة " عم رضا " طالبا ً منه أن يسرع به إلي المطار غير مبالي من أن يصيبه مكروة من وقفه فجأة أمام السيارة وأخبر " عم رضا " أنه سوف يعطيه الأجرة التي سوف يطلبها لأنه إذا تأخر أكثر من ذلك فسوف يضيع منه موعد الطائرة وسيفقد صفقة كبيرة وقبل أن يبدي " عم رضا " أى شئ من الموافقة أو الرفض كان الرجل يركب السيارة فنظر " عم رضا" إلي زوجته التي ابتسمت له وهزت رأسها علامة علي الموافقة فبادلها الابتسامة هو الآخر وانطلق بالسيارة إلي المطار ، وقبل الموعد المحدد للطائرة وصل " عم رضا "