قامت" ام محروس " من مكانها وأشارت إلي أحدي السيدات والتي كانت تجلس علي يمين "أم محمد " فقامت هذه السيدة خوفا ً من " أم محروس " ومن بطشها أن لم تنفذ الأمر وجلست مكانها " أم محروس " وهي تظهر شيئا ً من الأسى والحزن وترسم ملامح التوجع والآم علي وجهها ووضعت كفها علي شعر " محمد " النائم علي حجر أمه وكأنها تحدث نفسها بصوت عالٍ وهي تسأل كيف سيعيش محمد بعد وفاة أبيه ؟ وكيف سيبقي طول حياته محروما ً من حنان أبيه وعطفه عليه؟ حقا ً مسكين " محمد" مع هذا الزمان الغادر التي لا يعطي للإنسان كل ما يتمناه ودائما ما يأخذ منه أعز ما يملك في دنياه ، هكذا قالت " أم محروس " وهي تنظر إلي " محمد " النائم والذي لم يسمع شئيا ً مما قالته ، وحتى إن كان مستيقظ فهو لن يفهم ما قالته ولكنها قالته لتحدث به " أم محمد " التي نظرت إليها نظرة طويلة ثم عادت إلي نظرتها الشاردة مرة أخري مما دفع " أم محروس " لأن تكمل كلامها وكأنه قد أعجبها عدم التعقيب علي كلامها من أي واحدة من النسوة اللاتى جئن للعزاء ومن الجالسات و بخاصة " أم محمد " فرفعت رأسها وهي تنظر إلي " أم محمد " ووجهت إليها الحديث قائله: بأن الدنيا لا تعطي المحتاج وهذا قضاء الله - عز وجل - وقدره ولابد من التسليم به لأنها مشيئته التي تفوق أي شئ ثم مالت علي أذن " أم محمد " هامسة لها بأنها تعرف سر وفاة " عم رضا " مما جعل " أم محمد " تنتبه إليها وكأنها تريد معرفة شئ لا يعرفه إلا "أم محروس " و التي أحست أنها استطاعت أن تصل إلي ما كانت تريد فلقد استطاعت أن تشد انتباه " أم محمد " إليها ثم أعقبت " أن السر في وفاته هي " تلك السيارة الجديدة التي اشتراها فهي نظير شؤم علي الأسرة كلها وأن هناك من حسدها وحسد " عم رضا " عندما جاء بالسيارة إلي الحارة فكان لابد أن يتركها بعيدا ً ولا يعلم أحد عنها حتى أقرب الناس إليه ، فعادت " أم محمد " تنظر إليها مرة أخري تلك النظرة الطويلة مرة أخري ولكن هذه المرة أطالت النظر إلي " أم محروس " فعرفت " أم محروس " أنها استطاعت أن تصل إلي ما كانت ترمي إليه وما خطط له ودبرته منذ قليل فلقد قررت أن تعرف ما في الكيس البلاستيك بأي وسيلة وبكل طريقة حتى وإن اضطرت لتتخفي في صورة إبليس وتفعل أفعاله الشيطانية من أجل الفوز بما تريد .
ومر ثلاثة أيام علي وفاة " عم رضا " و " أم محمد " في بيتها لا تخرج إلا لقضاء الأشياء الضرورية التي تستعين بها علي استمرار الحياة وقضاء حاجتها ، والغريب أن التي تزورها كل يوم هي " أم محروس " وتأتي إليها بصينية عليها الكثير من الطعام في ساعة الغذاء وأم محمد " تتعجب من هذه المرأة الغريبة الأطوار ولماذا تجلس عندها لفترات طويلة تاركة بناتها وزوجها وبيتها ومسئولياتها ؟ وتتعامل في البيت وكأنها في بيتها فتدخل حجرات المنزل دون استئذان منها وتضع يدها في كل شئ وكأنها تملكه ... ولماذا تهتم بـ " أم محمد " هكذا ؟ وما سر هذا الاهتمام ؟ و تسألت " أم محمد " مع نفسها عن الإجابة لهذا السؤال الذي يحيرها منذ بدأت " أم محروس التردد على منزلها يوميا ً وتدخل حجرات المزل في وقت وحين دون أذن ما وراء هذه المرأة يا تري ؟ فلم تجد شيئا ً تصبر به نفسها ولكنها كانت تحس بعدم الرضا الذائد من وراء هذا الاهتمام الذي ظهر فجأة وأن " أم محروس " تضمر لها شرا ً لم يظهر بعد ، وهذا ما جعل " أم محمد " تحذر من هذه المرأة فكان لديها قطة صغيرة تجلس دائما ً في شقتها فقبل أن تتذوق الطعام الذي تأتي به " أم محروس " من عندها كانت تعطي القطة قطعة منه أولا ً وتنتظر بعض الوقت فإذا القطة لم يحدث لها شيئا ً أكلت منه وهي مطمئنة القلب ، مستريحة البال .